مع هبوط الليرة.. هل حان وقت شراء العقارات بتركيا؟
تاريخ الاضافة : 2018-08-18 12:25:46
الموقع، ثم الموقع، ثم الموقع... ربما لو لم يكن يُعلم مصدر الشعار العقاري التقليدي الثلاثي "المَوْقع" Location, Location, Location، حين ظهر لأول مرة في صحيفة الواشنطن بوست الأميركية عام 1952، لظُن أنه نشأ خصيصاًللقطاع العقاري التركي للفترة بين عامي 2012 و2018، إذ تميزت تلك الفترة بنهضة عقارية غير مسبوقة في التاريخ التركي. لم يكن الأمر عبثاً، وإنما خُطط للقطاع العقاري التركي أن يتولى دفة النمو الاقتصادي ويصبح مصدراً رئيساً للعملة الأجنبية من خلال جذب المشترين الأجانب، ويبدو أنه نجح كثيراً في مهمته. فاستحوذ القطاع على ما يقرب من 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي التركي على مدار العقد الماضي.
في غضون ذلك وكما أصبح معتاداً، ظلت تركيا تتعرض لأزمات داخلية وخارجية لاسيما في فترة النهضة العقارية تلك، بداية من مساندة أنقرة وبشكل مباشر لثورات ما اصطلح على تسميته بـ "الربيع العربي"، ما ألّب عليها حنق بعض دول المنطقة المعارضة لتلك الموجات الاحتجاجية والإصلاحية، مروراً بالهجمات «الإرهابية» المتتالية على مدن تركية مختلفة كهجمات إسطنبول عام 2015، ثم محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة عام 2016، والأزمة الدبلوماسية مع موسكو بعد إسقاط تركيا لطائرة روسية في جنوب البلاد، واغتيال السفير الروسي في أنقرة، وليس انتهاء على الأرجح بالأزمة التجارية الحالية مع الولايات المتحدة، إلا أنه في ظل تلك الأزمات كان أمر واحد يثير الدهشة، فعلى غير ما تقتضيه الأشياء من انهيار أو تذبذب سلبي على الأقل تبعاً لوجود أزمات؛ كان القطاع العقاري التركي يكتسب زخماً كبيراً وينال إقبال الأجانب أكثر فأكثر، حتى تم تتويج ذلك الإقبال بتدفق استثمارات أجنبية على القطاع بلغت ما يقرب من نصف إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة بتركيا العام الماضي، فمن جملة 10.8 مليار دولار مثلت مجمل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، والتي دخلت للدولة عام 2017؛ استحوذ العقار والبناء على 4.6 مليار دولار منها، وهي مستويات لم يعهدها الاقتصاد التركي من قبل. كما تضاعفت مشتريات الأجانب للعقارات خلال العام 2017 مقارنة بـ 2016 لتبلغ قيمتها 1.7 مليار دولار.
تزامنت تلك الطفرة مع تغييرات هيكلية على قوانين تملك العقارات للأجانب، ففي عام 2012 قامت الحكومة بإلغاء قانون كان يقضي باشتراط "المعاملة بالمثل" لجذب المزيد من المشترين الأجانب، وفي نفس العام سُمح لمواطني 183 دولة بشراء عقارات بالداخل التركي، ولم يكن تملك الأجانب للأراضي بأقل تيسيراً، إذ سُمح بتملك أراضٍ تصل مساحتها لنحو 150 فدان، دون الحصول على إذن خاص، بعد أن كانت المساحة القانونية قاصرة على 6 فدانات فقط. وكان أثر تلك الإجراءات أن انهال الأجانب على تركيا لامتلاك العقارات، واستحوذ العرب على نصيب الأسد من عمليات الشراء، لترتفع مبيعاتهم لخمسة أضعاف في الفترة بين عامي 2012 و2015.
الأزمة
يتعرض الآن الاقتصاد رقم 18 بين اقتصاديات العالم بناتج محلي يتجاوز 900 مليار دولار يمثل فيه القطاع العقاري نسبة الخمس من إجماليه؛ يتعرض لأزمة جديدة وهبوط كبير لعملته المحلية "الليرة"، إذ فقدت الليرة التركية نحو 50% من قيمتها في آخر 12 شهر فقط نتيجة لعقبات صعبة يواجهها الاقتصاد، كالعجز في الحساب الجاري المقترن بمستويات عالية من الديون في القطاع الخاص، وتمويل أجنبي كبير للقطاع المصرفي، كما بلغ معدل التضخم 15.9% في يوليو/ تموز من عامنا الحالي 2018، وهو معدل يتجاوز خمسة أضعاف المعدل المتوسط للدول الغنية. وارتفع الاقتراض الحكومي بالعملة الأجنبية ارتفاعاً كبيراً، أما الأمر الذي نبش الجرح الاقتصادي فكان إعلان الرئيس الأمريكي "ترامب" عن مضاعفة تعريفة الاستيراد الأميركية على الصلب والألومنيوم التركي بنسب 50% و20% بالترتيب، كعقوبات على استمرار احتجاز تركيا للقس الأميركي "أندرو برونسون" لاتهامه بـ «التجسس والإرهاب» عقب محاولة انقلاب عام 2016.
جعل هذا التهاوي الليرة أضعف أمام العملات الأخرى، ومنح العديد من المزايا الشرائية للأجانب، فالشخص الذي كان يمتلك دولاراً واحداً العام الماضي كان يأخذ مقابله 3.5 ليرة، وهو نفس الشخص الذي يستطيع الحصول الآن على نحو 6 ليرات ونصف الليرة مقابل ذلك الدولار.
هل نشتري الآن؟
في ظل تلك القوة الشرائية المتنامية للأجانب بسبب تذبذب الليرة، ومع صلابة القطاع العقاري وعدم تأثره بالأزمات؛ ربما يتساءل البعض عما إن كان ذلك هو الوقت المناسب للتوجه لتركيا وشراء عقار هناك رغم وجود أزمة تعصف بالاقتصاد التركي، ولا يمكن التنبؤ بمخرجاتها بحال، لذا فإن هناك العديد من الأسباب التي تدعم توقيت دخول السوق العقاري الآن، فعلاوة على عدم تأثر القطاع بالأزمات المتكررة التي تضرب الاقتصاد بين الفينة والأخرى كما تمت الإشارة منذ قليل، فالاستثمار في السوق العقاري كعادة الاستثمارات العقارية عموماً، يتميز بكونه استثماراً طويل الأجل، إذ تصل مدة الاستفادة من شراء العقار لبضع سنوات، في حين يجد المتابع للأزمات التي يمر بها الاقتصاد التركي أنها - وعلى حدتها - لا تطول فتراتها في غالب الأحايين.
وتأتي القاعدة الصلبة لملاك العقارات لتعضد القطاع وتمنع أسعاره من التهاوي حتى مع انهيار الليرة، ويبدو أن الحكومة التركية قد استوعبت ذلك الأمر جيداً، إذ تقوم بالمحافظة على علاقات جيدة مع الدول التي تتصدر قوائم المستثمرين الأجانب في شراء العقارات التركية، كالعراق ودول الخليج وروسيا وإيران، لأن تعهد تلك العلاقات بالرعاية على مدار السنوات، يضمن للحكومة استمرار بقاء العقارات التركية في أيدي مواطني تلك الدول مع التدفق المعتاد لمستثمريها الجدد، ويغذي ذلك التدفق النمو العقاري على جانب الطلب، ويرجع منشأه بالأساس للاضطرابات والأزمات التي يعج بها الشرق الأوسط، وللمفارقة فإن كل عقار مباع لمستثمر أجنبي في تركيا، لا يعطي ثقة للسوق الإقليمية بنهاية قريبة في الأفق لمشاكل الشرق الأوسط، وبالتالي يبقى الطلب مرتفعاً من قبل العرب، ما يسهم في استمرار ديناميكية القطاع العقاري التركي، باعتباره أقرب الملاذات الآمنة لرؤوس الأموال.
تفسر تلك المفارقة تحديداً كيف تبقى أسعار العقارات في ارتفاع مستمر، ويعني ذلك الارتفاع بداهة إمكانية تحقيق الأرباح، فالمنزل الذي قام أحدهم بشرائه في مركز مدينة أنطاليا عام 2013 ويود بيعه الآن، سيقوم مالكه حتماً بجني كثير من الأرباح من فرق السعر بين تاريخ الشراء والبيع. وتعزز الإحصائيات الرسمية هذا القول، فتشير الدراسات الحكومية إلى أن شهر يونيو/ حزيران 2018، شهد زيادة في مؤشر أسعار المنازل في تركيا بلغت 0.55% مقارنة بشهر مايو/ أيار 2018 السابق له مباشرة، وبالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي فقد ارتفع معدل أسعار المنازل التركية حوالي 10% تقريباً، وبالمقارنة مع السنوات الثلاث الماضية فقد زادت النسبة بحوالي 38%، وصولًا لـ 82% مقارنة بالأسعار قبل نحو 8 سنوات من الآن.
خارطة شرائية
إذا ما قرر شخص الاستثمار في العقار التركي، فإنه يجب أن يقوم بدراسة الأماكن الأمثل لشرائها تبعاً لعوامل لا ينتبه إليها المستثمرون العاديون في العموم، وعلى رأسها سرعة دوران رأس المال، ومستوى ارتفاع أسعار المنازل، وفرص الإيجارات المتاحة، وفي دولة كبيرة كتركيا تقع بين الشرق والغرب، وتغطي 81 مقاطعة و8 مناطق جغرافية، وتوفر كماً هائلاً من الوجهات أمام المشترين، بدءً من المدن الرائدة وحتى القرى الصغيرة، يجد المرء على الأرجح نفسه أمام اختيارات عديدة عند تحديد المنطقة التي يود الشراء فيها، إلا أنه وبحسب الإحصاءات فهناك ثلاث مناطق تتصدر قوائم الشراء: ساحل البحر المتوسط، وساحل بحر إيجه، وإسطنبول بطبيعة الحال.
إجراءات مهمة عند الشراء
بعد تحديد مستقر الشراء، ينبغي اتخاذ العديد من التدابير التي سيتم على إثرها نجاح صفقة شراء العقار، ومن ثم ضمان تحقيقه لعوائد كبيرة. ومن تلك التدابير؛ ضرورة الاستعلام لدى مديرية السجل العقاري إذا كان هناك أي قيود على العقار يمنع التصرف فيه كالدين والرهن والاختصاص وسائر الحقوق التي تمنع انتقال ملكيته، ثم الحذر من المسوقين، فزيادة نسب الحسم على الوحدة السكنية ولو وصلت إلى 50% لا يعني أنها فرصة ثمينة، وغالباً ما ينتهي الأمر إلى أن المشروع متعثر، أو هناك ندرة في الطلب على تلك الوحدات، ويعجز المالك عن التصرف فيها. وغالباً ما يطلب البائع إتمام الصفقة والتسجيل بسعر أقل، ليقلل قيمة الضريبة المفروضة وهي 4% التي تُدفع مناصفة؛ وهنا ينبغي الإصرار على التسجيل بالقيمة الحقيقية، وكذلك تصديق العقد من كاتب العدل حال البيع بأقساط، فرغم دفع رسوم إضافية قدرها 1% من قيمة العقار، إلا أنه يحمي حق المشتري ويتفادى أية مشاكل مستقبلية أو أي سوء تقدير.
يروي "عبدالعزيز العليان" تجربته حول شراء العقار في تركيا على موقعه الإلكتروني الشخصي، ويؤكد على بعض النقاط الهامة مثل التأكد من سعر المشروع قبل الإقدام عليه، لضمان عدم مبالغة البائع في السعر، ويمكن التأكد من السعر بعدة طرق منها الاستعانة بواحد من أشهر مواقع بيع وشراء العقارات "صاهبندن" sahibinden، ويمكن من خلاله استعراض جميع العقارات المعروضة في المشروع ذاته، وتتبع حركة العقار على مدار الأشهر السابقة.
ويمكن الاستعاضة عن الخطوة السابقة بالقيام بإجراء يغفل عنه كثير من مشتري العقارات، وهو تقييم العقار من قبل إحدى الشركات المتخصصة أو البنك حال وجود اتفاق لأخذ قرض، أما عن أسعار تلك الخدمة فيتم تقديمها من قبل شركات متخصصة بأسعار زهيدة مقارنة بالعائد منها، وتتراوح الأسعار بين ليرتين إلى 7 ليرات لكل ألف ليرة من سعر الشراء، وذلك حسب شهرة وخبرة الشركة. ويعطينا التقييم إشارات هامة وحيوية للمشروع، وبناء عليها يمضي المستثمر قدماً في عملية الشراء أو يتراجع عنها، إشارات كالسعر المناسب للعقار، وأسعار المشاريع الأخرى في المنطقة نفسها، علاوة على مستقبل المنطقة برمتها من حيث الخدمات والمرافق، واهتمام الحكومة بها، كما تزود تلك العملية المشتري بمعلومات هامة مثل سلامة الجوانب القانونية للمشروع، كوجود رخصة بناء، وعدم وجود مخالفات تعرقله لاحقاً.
قبيل إنهاء العقد، هناك عدة تكاليف يتم دفعها في صورة ضرائب ورسوم، إما مرة واحدة أو بشكل دوري، ولابد من استيعابها قبل إتمام عملية الشراء. وتبدأ عملية الدفع مباشرة بعد خروج ما يعرف ب الطابو TAPU أو سند ملكية العقار. فعلى سبيل المثال؛ هناك الخدمات الشهرية للعقار وتعرف بـ (العائدات) والتي تتراوح بين 2 إلى 7 ليرات للمتر المربع الواحد، على حسب مستوى ومكان المشروع، وجدير بالذكر أن المصروفات الشهرية تلك لا تشمل تكاليف الكهرباء والمياه والغاز. وكذا ضريبة الشراء ومقدارها 4%، وضريبة الأرباح ومقدارها 20% من صافي الربح، وضريبة البلدية السنوية البالغة 0.003% من سعر المتر المربع، وغيرها من الضرائب.
الليرة أم الدولار؟
عند إتمام أي صفقة عقارية يبرز تساؤل غاية في الأهمية: هل من الأفضل شراء العقار بالليرة التركية المتذبذبة، أم بعملة أجنبية كالدولار أو اليورو وغيرها، ولفهم الأمر يمكن افتراض مثال بصديقين اشترى كلاهما شقة بالقيمة نفسها، وضمن المشروع ذاته بداية من العام 2015، ولكن أحدهما اختار الدفع بالليرة والآخر بالدولار، واتفقا على الدفع بالتقسيط، وبافتراض أن قيمة الشقة 100 ألف دولار، وكان سعر الصرف أوائل عام 2015 هو 2.3 ليرة لكل دولار، فإن سعر الشقة حينها كان 230 ألف ليرة.
ثم دفع الاثنان أول دفعة مالية للشقة وتساوي 10% كدفعة أولى للمشروع، ما يعني أن المشتري الدولاري دفع 10 آلاف دولار، بينما دفع المشتري بالليرة 23 ألف ليرة، ثم جاء موعد الدفعة الثانية بداية عام 2016 والمقرر أن يدفع فيها الاثنان 40% من قيمة الشقتين، ولكن قيمة الليرة انخفضت لـ 3 ليرات مقابل كل دولار، فقام المشتري الدولاري بدفع 40 ألف دولار، بينما قام مشتري الليرة بتحويل 30.6 ألف دولار فقط ليدفع مقدار الدفعة الثانية 92 ألف ليرة. ثم جاء موعد الدفعة الأخيرة للشقة وكانت 50% بداية العام الماضي 2017 والذي استمرت فيه الليرة في الانخفاض لتصل إلى 3.77 ليرة لكل دولار، وهنا قام المشتري الدولاري بدفع 50 ألف دولار ليتملكها بالكامل، بينما قام صاحب الليرة بتحويل 30.5 ألف دولار فقط لـ 115 ألف ليرة بقية ثمن الشقة.
نتيجة لما سبق، فقد دفع المشتري الدولاري نظير شقته 100 ألف دولار، بينما دفع صاحب الليرة ليحصل على نفس الشقة 71.1 ألف دولار فقط، وبالتالي فقد وفر نحو 30% من قيمة الشقة. ولا يعني ذلك أن الشراء بالليرة على طول الخط يعتبر الأفضل، فيقف الأمر على توقعات الليرة، وإذا كانت التوقعات تشير لانخفاض تدريجي في قيمتها فإننا نتبع القواعد السابقة، وفي حال كانت تشير إلى التحسن التدريجي؛ نعكس القواعد السابقة.
يمكن لصاحب الليرة أن يكمل مسيرة التوفير في سعر العقار، إذا ما قرر الشراء في مشروع لا زال في بدايته، حيث يكون المطور في أمس الحاجة للمال لتكملة مراحل المشروع، ويمكن للشخص هنا الحصول على عروض قيمة حقاً. ويتبادر إلى الأذهان على الفور مسألة الثقة في المطور أو الشركة، إذ كيف يطمئن الشخص على أمواله في مشروع لا يزال في بدايته، ويمكن هنا التحقق من عدة أمور تكشف درجة موثوقية المطور، وهي مدى تمويل البنوك للمشروع، فإذا كانت تموله فهذا مؤشر على جودة المشروع وخلوه من العقبات والمشاكل القانونية. كما تعد شراكة "مؤسسة الإسكان التركية" TOKIدليلاً على استمرار المشروع لحين مرحلة التسليم، لأنها تضمن للمشترين إكمال المشروع حال تعثر المطور أو المقاول.
ويعتبر الطابو "سند الملكية" هو الخطوة الأخيرة لإتمام عملية شراء العقارات في تركيا. فبمجرد استكمال جميع المستندات الورقية، وكان الجانبان قد نفذا التزاماتهما التعاقدية؛ سوف يتم تسجيل العقار باسم المشتري الجديد، وسيحصل على سند الملكية.
ورغم أن انهيار الليرة التركية يأخذ بيد مستويات ارتفاع الأسعار للأعلى، إلى أعلى من المستويات الحالية التي تجاوزت 15%، وبالتالي تأثر على مستوى معيشة الشعب التركي، إلا أنه في الوقت ذاته يفتح آفاقاً للأجانب في الخارج، يمكنهم بها من الولوج إلى تركيا، والاستفادة من وفورات فرق سعر صرف العملة، سواء في الإنفاق الاستهلاكي أو الإنتاجي، ما يعود نفعه من جديد على الأشخاص أنفسهم.
تحرير: امتلاك العقارية©
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق